[b]انعدام الخيال – بين أنصار النقاب وأنصار الوجه والكفين
بقلم/ سمير الأمير
أتصور أننا نعانى من الافتقار الحاد لما يمكن تسميته بالخيال السياسى وطبعا لا استثنى من ذلك مثقفينا ولا الحكومات العربية التى ليست إلا المحصلة النهائيةلإخفاقات ضاربة فى الماضى ولابتسار أسئلة النهضة أو للالتفاف حولها فى أكبر عملية لمنافقة التاريخ، ولعل أخطر ما في هذه العملية التلفيقية ما تركته من أثر على العقل العربى ولا سيما فيما يتعلق بتصورات هذا العقل عن الدين إذ شكلت تلك العملية الممتدة عبر تاريخنا أساسا للخلط غير الموضوعى بين الإسلام الذى هو مقدس باعتباره وحيا من عند الله وتاريخ المسلمين الذى هو قابل للنقد والمراجعة المستمرة، ودليلى على ذلك أن كل من يناقش ما جرى فى سقيفة بنى ساعده مثلا، باعتباره تعبيرا عن مصالح ورغبات مشروعة وغير مشروعة لبشر يصيبون ويخطئون، كل من يناقش ذلك يتعرض للتعريض، بل وربما الاتهام المباشر بالهجوم على الإسلام وقد يتبجح أحد معدومى الخيال ويطالب بإهدار دمه، هذا رغم أننا لا نمل من ترديد أن كل المسلمينعدا الرسول الكريم بشرلهم ما لهم وعليهم ما عليهم، إن عقولنا غالبا لم تعد تدرك هذا التناقض الذى ينطوى عليه تقديسنا لغير المقدس، وفى ظنى أن عملية تدجين وإخضاع العقول لمتطلبات السيطرة التى فرضتها إرادة الخلفاء والحكام المسلمين منذ معاوية بن أبى سفيان وحتى لحظة كتابة هذه السطور، فى ظنى أن تلك العملية المستمرة هى السبب الرئيس لهذا المرض الذى يوشك أن يحولنا إلى أمة من مدعى الطاعة ومحترفى الرياء وهو ما يتناقض مع جوهر العبودية لله وحده ويحولنا إلى عبيد للأفكار الخاطئة التى سادت بسلطان الغلبة فأصبحت هى الدين وهى المقدس، أو للأفكار المتخلفة التى انتشرت بفضل فشل وفساد الأنظمة القومية من جانب آخر، بينما توارى الدين الحقيقى خلف هذا الركام من الرغبات الغير مقدسة لجماعات المتسلطين القبلية والسياسية فيما بعد، نعم لقد كانت هناك لحظات مضيئة فى تاريخنا ولكنها سرعان ما كانت تغرق فى تلك العتمة الهائلة التى ما إن كانت تتراجع مؤقتا حتى تعود وكأنها اكتسبت شراسة الأسد الجريح
لا أريد أن يتخيل البعض أن كلامى ينصرف فقط إلى ما هو إسلامى سواء كان تاريخ الحكام والخلفاء أو تاريخ الأفكار والرؤى، ولكنى أهيب بالدعاة الأفذاذ الذين يرغبون فى الذود عن دين الله ويتصورون أن كل انتقاد لموقف سياسى أو للباس معين هو انتقاص من قدر أمراء المؤمنين الجدد وتعبير عن العداء للدين، أهيب بهم أن يعملوا عقولهم وخيالهم قليلا ليكشفوا لنا الفرق بين ما هو قبلى"بدوى" وماهو من صميم الدين، لأنه لا يعقل أن تفتح كل الصحف وكل القنوات الفضائية تقريبا فلا تجد سوى الكلام عن النقاب وعن الحجاب الشرعى وغير الشرعى بينما تواصل إسرائيل هدم المقدسات وهدم الإنسان الذى هو بحد قول الإمام جعفر الصادق أهم من تلك الأبنية وقد ورد في الحديث أنّه كان جالساً في المسجد الحرام وكان إلى جانبه شخص من أصحابه، فقال له: «أترى إلى هذه الكعبة؟ قال: بلى، قال: إنَّ حرمة المسلم عند اللّه أعظمُ من حرمةِ الكعبة سبعين مرّة»، هل ندرك المغزى مما قاله الإمام جعفر؟ نعم ولكن فقط بقليل من " الخيال" أو ما يسميه الرجل العامى " الحساسه"، فلو توفرت لنا تلك " الحساسة" لأدركنا عبث تك الحوارات والمناقشات حول " النقاب" و"الجلباب" ولعرفنا أن الإنسان وكرامته هما جوهر رسالة النبى الكريم، فالذين يصرون على شرعية " النقاب" يستندون إلى حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " ونظرا لانعدام الخيال الذى تحدثنا عنه يفسرون الحديث تفسيرا معكوسا بمعنى أنها مادامت ممنوعة من لبس النقاب فى الإحرام فعليها لبسه فى غير حال الإحرام وهو تفكير " عكسى" لو اعتمدناه سيؤدى إلى كارثة فالله سبحانه وتعالى يقول فى الآية 197 من سورة البقرة " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ " فهل معنى ذلك أن الرفس والفسوق مباح فى غير أشهر الحج، كما تساءل مستنكرا ذات مرة الدكتور إسماعيل منصور؟ بالقطع لا! ولكنها تلك العقلية المحدودة التى تشكلت فى البادية ثم أتاح لها زمن النفط أن تفرض قصر نظرها وانعدام خيالها على باقى أجزاء الوطن العربى بما فيها المجتمعات ذات الحضارات القديمة،
إن هذا السُعار الذى يأخذ شكل الدفاع عن الدين ويتحول إلى عُصاب لا يصب إلا فى مصلحة عدونا، وخذ مثلا شعار" الدولة الإسلامية" أو شعار" عودة الخلافة"، ألا تخدم تلك الشعارات دعوة الصهاينة للعالم بأن يقر بيهودية دولتهم؟، ألا يعطى المنادون بشعار " القدس إسلامية" استنادا إلى وجود المسجد الأقصى مبررا للمناداة بشعار " القدس مسيحية" استنادا لوجود كنيسة القيامة! ومن ثم يقدم غطاء للصهاينة الباحثين عن الهيكل لكى يصبح لهم نفس المبررات، ألم يكن توارى الكفاح القومى والعربى ضد الاحتلال علامة على نضوب الوعى والخيال السياسى ومن ثم كان تبنى شعارات دينية عنصرية منسجما مع مقولة " صراع الحضارات"؟
لقد بكيت فرحا بالشاب الذى قابل " تونى بلير فى الحرم الابراهيمى" ونعته بالإرهاب، ولكن عندما أجرت معه قناة الجزيرة حوارا اكتشفت أنه أيضا ارهابى بامتياز، لأنه تحدث للقناة عن الدولة الإسلامية التى "ستقوم من الشيشان وحتى الأندلس"، وحين سألوه " إن كان يدرك أن رفع صوته بالسباب فى المسجد قد يعد من الأمور الغير مستحبة والتى لا تليق ببيت من بيوت الله؟" رد قائلا أن " تونى بلير كافر ونجس ولم يكن ينبغى أن يدخلوه للمسجد"، أليس فى ذلك افتقار للخيال يصل إلى حد الغباء؟ فكثير من البريطانيين من أبناء جلدة " بلير" مستعدون للتعاطف معنا ضده، وهم نعتوه بالإرهاب قبل هذا الشاب مرات ومرات، وكان شعار طلاب " جامعة ادنبره"سنة 1998 وفى أوج حصار العراق وتجويعه Tony, Stop that dirty war " تونى- أوقف تلك الحرب القذرة" ولقد لمست بنفسى حجم التأييد الهائل للقضية الفلسطينية حين كنت أتدرب فى " معهد مورى هاوس للتربية" ولكن عندما نقول أن بلير " كافر" كما صرح الشاب الفلسطينى لقناة الجزيرة، فهذا يعنى أننا نهين وندين عقيدته وليس جرائمه ومن الطبيعى أن هذا يكسبه تعاطفا، بل ويقدم له مبررات للرد على منتقديه البريطانيين الذين انتقدوه لمشاركته فى احتلال العراق ومنهم " جالاوى" وهارولد بنتر الشاعر العظيم صاحب نوبل، هل أنا بحاجة لأن أعدد مظاهر نضوب الخيال والافتقار إلى تصورات تجعلنا نخرج من دائرة رد الفعل الذى يثيره أعداؤنا فينا لجعلنا نبدو وكأننا أمة من الهمج، لكى يسهل لهم احتلال أراضينا وإرادتنا ونهب ثرواتنا، بينما نحن نهتف " خيبر... خيبر يا يهود" وبينما ينقسم مفكرونا ومقدمو البرامج التلفزيونية فى أوطاننا السعيدة إلى فريقين أساسيين " فريق مؤيدى " النقاب" وفريق " أنصار الوجه والكفين"!
[/b]